دروس كورونا.. الأزمات تجعلنا نودع القلق من المستقبل

قد تتحول محنة نتعرض لها مثل أزمة فيروس كورونا المستجد الحالية إلى تجربة مُغيرة تمنح معنى جديدا لحياتنا وتساعدنا على ترك مخاوفنا ورائنا والتركيز على ما يهم حقًا وهو: المحبة والعواطف والعيش في اللحظة الراهنة.

يأتي ذلك على الرغم من أنه لا ينبغي بالضرورة أن تحدث مآساة مثل وباء “كوفيد 19” كي ندرك قيمة الحياة ونحياها، لا نعيشها فحسب، لكن حين ترى أن الحياة يمكن أن تنتهي في أي لحظة، فإنك تتوقف عن القلق حول كل شيء متعلق بالمستقبل الذي يلاحقنا جميعا.

كانت صوفيا تكرس حياتها بشكل كبير لمسيرتها العملية حتى تعرضت في أحد الأيام للإغماء وتم نقلها للمستشفى حيث خضعت لعدة فحوصات طبية كشفت عن نبأ سيىء وهو إصابتها بالسرطان.

“كل ما لدينا هو الحاضر، لكن في بعض الأحيان تمنعنا مخاوفنا وتوقعاتنا من الاستمتاع به”، وفقا لمحاضر التنمية البشرية المتخصص في تطوير الذات، خابيير إيريوندو الذي يروي قصة صوفيا في أحدث رواياته “La vida te esta esperando” (الحياة في انتظارك).

ومنذ هذه اللحظة، عقب تجاوز الصدمة الأولى ومحادثات مع صديقتها الحكيمة، بدأت هذه السيدة التي كانت في منتصف العمر طريق تحول وتجدد شخصي.

ما تلقته صوفيا في البداية كنبأ مأسوي تحول إلى درس حياة، وفقا لما ورد بوكالة الأنباء الإسبانية (إفي).

ولمشاطرة ما تعلمته من هذه التجربة، نظمت حفلا لتوديع أصدقائها، فخوفها من المستقبل تلاشى وأصبح الحاضر هو المصدر الوحيد للحياة.

ويقول إيريوندو إن “تلقي خبر مأساوي يجعلنا أحيانا ندرك أن قرب الموت أو إمكانية حدوثه في وقت قريب يوقظ بداخلنا الحياة”.

وكان إيريوندو رياضيا من النخبة بالولايات المتحدة، حيث بدأ مسيرته العملية والآن أصبح محاضرا دوليا يقدم دورات وبرامج في التحول الشخصي والتنمية الإدارية.

وتابع إيريوندو: “حين ترى أن الحياة يمكن أن تنتهي في أي لحظة فإنك تتوقف عن القلق حول كل شيء متعلق بالمستقبل الذي يلاحقنا جميعا، وفجأة تبدأ في إدراك الأمور التي تهم حقا: العلاقات الشخصية والتواصل بين البشر”.

ويؤكد محاضر التنمية البشرية “وقتها نجد أننا كنا نعيش للمستقبل، نعيش لوقت لاحق ونؤجل الحياة، كما لو كان الوجود ما هو إلا قائمة لا تنتهي من المهام يضاف إليها دائما شيء جديد يجب القيام به أو الحصول عليه”.

وأضاف أن “موقف كهذا يمكن أن يجعلك أكثر شجاعة لأنك تبدأ في اتخاذ قرارات كنت تؤجلها لوقت لاحق، ويساعدك على ترتيب أولوياتك”.

الخطوة الأولى للتجدد

أحيانا يكون من المحزن أن يتطلب الأمر وقوع حدث مأساوي كي نكتشف أن الحياة تمر بنا وتفلت من بين أيدينا، لكن حين يكون هناك خبر مأساوي مثلما حدث مع صوفيا، يحدث إيقاظ للحياة”.

وفي نفس الوقت الذي كان يصف فيه إيريوندو كيف استيقظت الحياة بداخل صوفيا عقب هذا اليوم الأول من المأساة وهذا الشعور والسؤال الملح ‘لماذا أنا؟’، شخص الأطباء إصابته هو بورم سرطاني.

وقال المحاضر: “حاليا لا أعلم ماذا سيحدث في حياتي.. انتابني نفس الشعور الذي تخيلت أن الشخصية ستشعر به في هذا الموقف وفجأة وجدت نفسي أروي القصة بشكل شخصي وقلت في نفسي ‘قد ينتهي الأمر، أسرع'”.

وأضاف “كانت أكثر اللحظات سلاما في حياتي، شعرت بتواصل تام مع المكان والزمان الحاضر”، مؤكدا أنه كان “محظوظا” بتعلم هذا الدرس “لترتيب الأولويات والتركيز على ما يهم حقا”.

وما يهم حقا هو الحاضر لأن المرء يكتشف، كما هو الحال بالنسبة لصوفيا، أن الحياة ضاعت في البحث عن الأمان، بسبب التربية الذي نتلقاها منذ الصغر سواء من المنزل أو المجتمع أو الموروث الثقافي، وتتلخص في الحصول على عمل من أجل كسب القوت في الحياة التي تستمر لوقت طويل وتحقيق الأمان والاستقرار”.

وأوضح إيريوندو أن هذه التربية من الأهل “جاءت بحسن نية لأنهم يريدون حمايتنا ومساعدتنا كي نكون مسؤولين، أباؤنا يمكنهم غرس هذا الخوف من المستقبل بداخلنا، وبعدها دون أن ندرك نجد أن البحث عن الأمان هو هدفنا الرئيسي”.

وتابع “بسبب هذه البرمجة، ما يحدث هو أنه على الرغم من حصول المرء على الحياة ‘المثالية’ وعمل جيد، أحيانا نجد أنفسنا غير قادرين على الاستمتاع بالحاضر ونشعر أننا عاجزين عن الشعور بالسعادة حتى نحصل على الأشياء التي لا نمتلكها الآن”.

مواقف قصوى توقظنا

وأوضح محاضر التنمية البشرية “حين نتعرض لمواقف قصوى ندرك أننا كنا نؤجل الحياة لوقت لاحق وأنه لا يوجد مستقبل مضمون وأن البحث عن الأمان في حد ذاته يولد لدينا شعورا بعدم الأمان لأننا لا نمتلك ذلك الشيء الذي يُفترض أنه سيجعلنا سعداء”.

الأمان يأتي من ثقتنا بأنفسنا ومن معرفتنا بأن المشكلات ستأتي لا محالة لكننا سنواجهها وسنتعلم منها، وأنها في كثير من الأحيان فرص متخفية، وفقا لإيريوندو.

ويؤكد المحاضر “لا ينبغي أن ننتظر حدوث شيء مأساوي كي نعيش حياتنا لكننا عادة لا نتحرك إلا عندما نتعرض لكارثة، ما نحتاجه حقا هو التوقف لبرهة من أجل التفكير في صمت، حول ما يهم حقا”.

لذلك، أبرز إيريوندو أن هناك بعض الأسئلة الإجبارية التي يجب أن نوجهها لأنفسنا مثل: إلى أين أنا متجه؟ هل أنا سعيد بالطريق الذي تمضي فيه حياتي أم أحتاج للتغيير؟ إذا استمريت في نفس الطريق هل سأكون راضيا في غضون خمس سنوات؟.

ويقول إيريوندو “إذا كنا راضين عن حياتنا، هنيئا! لكن ليس من الصحي أن نشتكي بشكل مستمر دون أن يكون لدينا استعداد لتغيير الأمور وإلقاء اللوم على الجميع إلا أنفسنا والسقوط في دور الضحية وإقناع أنفسنا بأنه لا يمكننا القيام بأي شيء للتغيير”.

وأضاف “عقب التفكير في هذا الأمر، لا بد من اتخاذ قرار جذري ينبع من القلب ويقول ‘أريد شيئا آخر، أريد أكثر، أريد التحسن’، حان الوقت لنقرر إلى أين نريد أن نذهب وماذا نريد أن نفعل أو نحاول فعله، بصرف النظر عن تحقيق الهدف من عدمه.

حين نحاول سيكفينا شرف المحاولة علما منا بأننا قدمنا أفضل ما لدينا وأننا أصبحنا أشخاصا أفضل أثناء العملية نفسها”.

ووفقا لإيريوندو “علينا أن نتعلم دائما ونتطور ونتخذ القرارات لنتمكن من الوصول إلى حيث نريد”.

تواصل مع فريق المدونة

للنشر

10 + 7 =