جائحة كورونا تعيد رسم العلاقات الصينية الأفريقية

وداعا لأيام القروض الصينية الكبرى، فقد كشف تفشي فيروس كورونا بشكل جائحة عن تصدعات في ديناميكية العلاقات الصينية الأفريقية. علاقات بكين بالشركاء الأفارقة تتغير، كما يؤكد خبراء.

لقد كان 2020 عاما مليئا بالعثرات بالنسبة للعلاقات الصينية الأفريقية حتى الآن. فرغم أن الصينيين تحركوا بسرعة لدعم أمم أفريقيا بالمساعدات مع تفشي فيروس كورونا، إلا أنّ الجائحة بحد ذاتها سلطت الضوء على شراكات بكين المتعثرة مع الدول الأفريقية.

سياسة القروض الصينية السخية للبلدان الأفريقية لم تعد ممكنة، فاقتصاد الصين يتعثر مع تصاعد أعداد العاطلين عن العمل وتنامي مخاطر الإفلاس في قطاع الأعمال. ويتوقع الخبراء أن اقتصاد الصين سيشهد المزيد من الصعوبات، وبذلك، وفي ظل الأزمة القائمة حالياً فإن الزعماء الأفارقة لن يجدوا حافظة النقود الصينية مفتوحة بسخاء أمامهم.

جائحة كورونا كشفت عن عدم وجود تفاهم مشترك بين الصينيين والأفارقة على مستوى الشارع. ففي نيسان/ أبريل المنصرم، تعرضت بكين إلى انتقادات واسعة بسبب عدم ابداء الأخيرة رد فعل ملموس تجاه التصرفات العنصرية والتمييز بحق الأفارقة التي جرت في مدينة غوانغزو. يأتي هذا في وقت، شجب فيها عدة سفراء أفارقة تلك الوقائع معززين ضغوطهم على الحكومة الصينية لحثها على ابداء رد فعل حازم.

وفي أيار/ مايو، قتل 3 صينيين في لوساكا عاصمة زامبيا، وهي جرائم قد تنم عن تغير المناخ الاجتماعي في بلدان أفريقيا والذي كان مرحباً بالحضور الصيني.

“الصين في وضع فريد”

ورغم كل العناوين السيئة، ما زالت الصين تشعر بأنها قادرة على جني الفوائد من تنامي تفشي جائحة كورونا في أفريقيا. فالصين هي أول شريك للقارة السمراء ينجح في السيطرة على الجائحة، وهذه ليست الفضيلة الوحيدة للصين، “فهي لا تزال في وضع فريد لأنها تملك قاعدة مستقرة في قيم سوق العمل، مقارنة بالأوروبيين أو الأمريكيين مثلاً وكلاهما يعانيان من تنامي أعداد المهاجرين المتزايد” كما يقول أريك أولاندر مدير تحرير موقع “مشروع الصين

زيارات وفود السياحة الإفريقية للصين، التي لا تختلف كثراً عن مثيلاتها إلى أوروبا

ومن الصين تدفقت مساعدات بقيمة 280 مليون دولار لدعم دول من القارة الأفريقية في ظل جائحة كورونا، وجاء كثير من هذه الأموال من القطاع الخاص ومن رجال أعمال صينيين. ويعلق أولاندر على هذا بالقول” لديهم مقيمون في أفريقيا، ودورهم يتنامى هناك”.

ويعيش في إفريقيا نحو مليون صيني، ليشكّلوا أكبر جالية مهاجرة غير إفريقية. ورغم أن الجائحة تكشف عن تصدعات في العلاقات الصينية الإفريقية، فإنها تكشف أيضاً عن الجانب الإيجابي في الاهتمام الصيني المتزايد بالقارة السمراء. الاهتمام على المستوى الشخصي من المساعدات المتدفقة على البلدان الإفريقية لإغاثة المصابين بفيروس كورونا خلال الأشهر القليلة الماضية يكشف عن وجود تغيرات تجري في مكان ما.

تنامي استثمارات القطاع الخاص

مِنَح القطاع الخاص الصيني فاقت بشكل واضح المِنح الحكومية لأفريقيا لدعم السيطرة على جائحة كورونا، رغم أن بكين ضخت مبالغ نقدية كبيرة للقارة السمراء، حتى باتت المقرض الأكبر لهذه القارة، حيث تشكل حصتها 20 % من الديون الخارجية لقارة أفريقيا طبقاً لتقديرات عدة، فإن اهتمام القطاع الخاص الصيني قد يؤشر تغيرات مقبلة، حتى مع تعثر الاقتصاد الصيني.

وتذهب هانا رايدر من مركز” ديفيلوبمنت ريايماجند” إلى أن رغبة الصينيين للاستثمار في أفريقيا قد تتعاظم بعد أن تراجع موجة كورونا، وتقول بهذا السياق “أشعر أن الدافع لمزيد من الاستثمار (في افريقيا) سيتعاظم، وسيتركز التوجه الجديد باتجاه الاستثمار عوضاً عن القروض”.

المستثمرون الصينيون يواجهون مزيداً من القيود في الولايات المتحدة وأوروبا، وهكذا فإن مزاجهم الاستثماري يبحث عن أماكن أخرى للعمل، وهكذا كان الحال في عام 2018 حيت تدفقت مزيد من رؤوس الأموال على أفريقيا للاستثمار في مجال التكنولوجيا، ثم تنامى اهتمامهم بالقارة السمراء بعد تركيز متطاول على الولايات المتحدة.

العلاقات الصينية الإفريقية ما زالت غير متعادلة، والعجز في الميزان التجاري في الجانب الإفريقي يتعاظم،

 

الاستراتيجيات المطلوبة لجذب الاستثمارات الصينية

العلاقات الصينية الأفريقية ما زالت غير متعادلة، والعجز في الميزان التجاري في الجانب الأفريقي يتعاظم، كما أن ما جرى في مدينة غوانغزو يكشف عن ديناميكية جديدة تتشكل في العلاقات. ولا يملك التجار الأفارقة نفس القوة الاقتصادية ولا نفس القدرة على النفوذ إلى الأسواق التي يملكها المهاجرون الصينيون إلى القارة السمراء.

تقول هانا رايدر بهذا السياق” نحن بحاجة إلى أن نلمس تغيراً في الجانبين الأفريقي والصيني، ويجب ألا يقتصر الأمر على تطوير علاقات اقتصادية، بل لا بد أن يتعداه إلى تطوير علاقات سياسية مشتركة “.

وهنا بالضبط تكمن المشكلة، فأغلب الدول الأفريقية لم تطوّر استراتيجيات بوسعها اجتذاب الاستثمارات الصينية كما يرى خبراء. وخير مثال على هذا هو زيارات وفود السياحة الأفريقية للصين، التي لا تختلف كثراً عن مثيلاتها إلى أوروبا. وينطبق الأمر أيضا على الصادرات الأفريقية، كل هذا يجب أن يتغير. وفي هذا السياق تقول رايدر “نحن نحتاج إلى استراتيجية حقيقية للتعاطي مع الصين، وعلينا أن نحدد في هذه الاستراتيجية قائمة أولوياتنا لنخرج بالعلاقات مع الصين من وضعها الحالي”.

تواصل مع فريق المدونة

للنشر

10 + 14 =