مستقبل تداعيات فيروس كورونا على العراق المعاصر

إن الأضرار الناجمة عن فيروس كورونا لم تستثني دولة من دول العالم، فقد انتقلت عدوى المرض إلى معظم دول العالم ولكن بنسب مختلفة من حيث عدد الاصابات او من حيث عدد الوفيات، فضلا عن نسبة الشفاء منه، ولم يكن العراق بمنأى عن أضرار هذا الفيروس، وكان الانهيار الاقتصادي هو من أبرز تداعيات الوباء على العالم وعلى العراق على نحو الخصوص وبالذات موضوع إنهيار أسعار النفط، والعراق في هذا الجانب المتضرر الأكبر كونه ليس له خطط بديلة لرفد الميزانية العامة سوى النفط الذي يمثل بحدود 95% من مجمل ميزانيته، لكن هذا لا يعني أن تداعيات هذا الوباء شملت الاقتصاد فقط فقد شملت جميع نواحي الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية بل وحتى النفسية.

تنطلق أهمية الدراسة من حيث أن تفشي هذا الوباء في العراق له تداعيات خطيرة يصعب عدها، لاسيما وأن الدولة غير متهيئة لمثل هكذا أزمات مفاجئة، حيث أن الأزمات الموجودة فيه قبل جائحة كورونا هي أكثر وأعمق، ولكن كورونا قد تكون الأصعب، مما يستوجب دراسة تلك التداعيات بشكل مستفيض، ومن خلال تشخيص التداعيات بالإمكان إيضاح وسائل المجابهة سواء من حيث الإجراءات الحكومية أو الإجراءات الشعبية المتمثلة برفع مستوى الوعي بين المواطنين.

ولا يختلف اثنان حول خطورة هذا الوباء سواء على مستوى العالم أو على مستوى العراق، لكن التساؤل الأبرز: ما طبيعة تداعيات هذا الوباء على المستوى الاقتصادي وعلى المستوى السياسي، وكيف تؤثر تلك التداعيات في رسم مستقبل جديد للعراق وللإنسانية جمعاء؟.

تنطلق الدراسة من فرضية مفادها: “إن تداعيات كورونا الاقتصادية ستكون لها تداعيات سياسية تؤثر على طبيعة مستقبل النظام السياسي، وطبيعة التأثير تتوقف على مدى التعامل بجدية وواقعية من قبل السلطة الحاكمة مع تبعات هذا الوباء السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بل وحتى النفسية”، وبغض النظر عن عدد الإصابات الحالية بالعراق والتي أخذت تصل إلى ما يقارب 2800 إصابة يومياً فهي نسبة خطيرة، صحيح هي قليلة بالقياس إلى نسبة السكان بالمجمل هذا من جهة، وهي نسبة قليلة أيضاً إذا ما تم مقارنتها مع دول أخرى مثل الصين وإيطاليا وإيران وغيرها، لكن في نفس الوقت تداعياتها الاقتصادية والسياسية غير مرتبطة بالنسب المعلنة، بل أنها كبيرة ومؤثرة حيث انها شلت الحركة وتعطلت مصالح الناس وانهار الاقتصاد في عموم البلاد، مما استوجب دراسة هذه التداعيات ضمن محورين، سيركز أحدهما على التداعيات الاقتصادية والآخر سيركز على التداعيات السياسية.

المحور الأول: تداعيات فيروس كورونا على المستوى الاقتصادي

تأثر الاقتصاد العراقي بتداعيات كورونا شأنه شأن الاقتصاد العالمي بفعل توقف أغلب المصانع ومنع الحركة وتقييدها لغرض تقليل الإصابات وعدم نقل العدوى، وأبرز التداعيات الاقتصادية هو انخفاض أسعار النفط العالمي، وتأثير ذلك كان الأشد على العراق الذي يعتمد في ميزانيته المالية بحدود 95% على الأموال التي يجنيها من بيع النفط.

ومع انخفاض النفط بهذا الشكل المفاجئ حيث وصل سعر البرميل بحدود 11 دولار، أصبح العراق اليوم أمام أزمة حادة قد تهدد الاقتصاد بالمجمل، والسبب كون العراق لم يضع خطة بديلة لمثل هكذا أحداث، إضافة إلى عدم تنشيط موارد أخرى كالزراعة والصناعة والتجارة، لذلك نجد أن العراق المتضرر الأكبر بالقياس إلى الدول النفطية الأخرى (دول الخليج على سبيل المثال لا الحصر) لديها نشاطات اقتصادية متعددة كالزراعة والصناعة والتجارة والاستثمارات المتعددة هذا من جهة، ومن جهة أخرى لديهم بدائل غير النفط، مثلا تعتمد قطر على الغاز، والبعض يحاول تطوير استثمار موضوع الكبريت.

في حين نجد أن العراق ومنذ التغيير السياسي 2003، ولغاية اليوم لم يعمل على استكشاف حقول جديدة في مساحات الشاسعة والتي في غالبها قد تكون بيئة خصبة لاستخراج النفط، حيث اكتفت فقط بالحقول المنتجة للنفط، وثم أن العراق حسب العديد من التقارير يشير إلى إمكانية استخراج الغاز والكبريت لاسيما في محافظة الأنبار أو في بعض محافظات الجنوب التي تتوفر فيها معادن لم تستكشف ولم تستثمر كالزئبق على سبيل المثال.

ويمكن القول، أن التأثير المباشرة لفيروس كورونا كان على الاقتصاد الذي يمثل عصب الحياة، لكن تأثيراته غير المباشرة كثيرة ومتعددة لعل من أبرزها التأثيرات السياسية لما للأخيرة من تداخلات في مجمل شؤون الحياة مما يستوجب متابعة ضمن المحور الثاني من هذه الدراسة.

المحور الثاني: تداعيات فيروس كورونا على المستوى السياسي

الحكومة العراقية الحالية أمام تحديات صعبة، فهي بين إقامة حظر صحي على المواطنين مرغمة لغرض المحافظة على حياة الناس، وبين أن تسمح للمواطنين بالتنقل وفق حظر جزئي لغرض تحريك عجلة الاقتصاد، فإن الخيارين المطروحين مرفوضان من المواطن الذي أرهقته الحياة الاقتصادية القاسية، لذلك هي في أزمة حقيقية كان باستطاعتها تجاوز تلك الأزمة لو توفرت أموال كافية بالإمكان إعطائها للفئات الفقيرة مقابل البقاء الكلي في المنازل.

إن المحور السياسي مرتبط ارتباطا وثيقا بالمحور الاقتصادي، حيث لا يمكن أن تعمل السياسة في أي بلد بمعزل عن الاقتصاد، فالقوة الاقتصادية تساهم في دعم العلمية السياسية والعكس صحيح، فكيف يمكن دعم العملية السياسية في ظل حكومة انتقالية منشودة لم تظهر للساحة بعد، وتنتظرها أزمات كثيرة من أبرزها كيفية معالجة فيروس كورونا في العراق وتداعياته جميع المستويات.

ومن أهم متطلبات الحكومة الحالية هي إقامة الانتخابات المبكرة، فكيف ستتم في ظل وجود فيروس يحتم البقاء في المنزل وعدم الاختلاط؟، لا بل الأدهى من ذلك كيف سيتم عقد جلسة للبرلمان للتصويت في ظل هذه الظروف الصحية المعقدة، حيث تشير العديد من وسائل الإعلام على إصابة عدد من النواب بفيروس كورونا بل البعض فقد حياته كما حدث مع النائب المرحومة غيداء كمبش رئيس لجنة التعليم النيابية، وهذا دليل واضح لتداعيات ذلك الفيروس على المستوى السياسي في العراق.

أثر فيروس كورونا تأثيرا مباشرا على السياسة في العراق حيث جعل صناع القرار أمام تحديات لم تكن في الحسبان، وأبرز تلك التحديات السياسية تتمثل في إدارة الدولة في ظل وجود فيروس عطل معظم مفاصل الدولة، وإدارة دولة فيها الاقتصاد يشهد ركودا واضحا، فضلا عن وجود أزمة صحية تحتاج أموال لإدارة الأزمة والحكومة محرجة في ظل هذه الظروف، فضلا عن ذلك على السلطة الحاكمة مسؤولية التعامل مع التداعيات المستقبلية التي تتمخض عن هذه الأزمة الصحية.

بالإضافة إلى التداعيات الاقتصادية والسياسية هناك تداعيات أخرى على المستوى الثقافي والنفسي، يتمثل في المستقبل المجهول لهذا الفيروس، فلا أحد يعلم أو يمكن له أن يتكهن بمستقبل هذا الفيروس كيف سينتهي ومتى؟، مما جعل الحكومة العراقية أمام حرج بالنسبة إلى عدد من المسائل لاسيما موضوع دوام المدارس والجامعات.

الخاتمة والاستنتاجات

إن تداعيات جائحة كورونا ستكون كبيرة ومؤثرة على العراق وهذه ليست معلومة خفية فالجميع يعلم بها، بمعنى أن التداعيات واضحة تقريباً لكن الحلول غير واضحة، لذلك فالعراق اليوم بحاجة إلى رجل دولة لديه رؤية مستعجلة وواقعية لكي يستطيع أن يدير هذه الأزمة إدارة سياسية ناجحة بخطط سريعة وآنية، حيث لا يمكن وضع خطط مستقبلية إلا بعد إنتهاء الأزمة لأن وضع الخطة في وقت الأزمة تختلف عن وضع الخطط قبل حدوثها.

أمام الحكومات العراقية القادمة تحديات كبيرة لا يمكن لها أن تواجهها بمفردها، فهي تحتاج إلى الجهد الجماهيري الشعبي من جهة المساندة الشعبية، وهي بحاجة أيضا إلى المساعدة من قبل الدول الإقليمية والدولية، ولابد من التأكيد على أن التحديات لا تنحصر فقط بأزمة فيروس كورونا، بل توجد أزمات كثيرة سياسية واقتصادية وأمنية وإجتماعية وبعض منها مرتبط بشكل مباشر بفيروس كورونا، لكن توجد أزمات أخرى ليس لها بهذا الفيروس بل كانت موجودة وحاضرة ما قبل ظهور الفيروس بل أن ظهور هذا الوباء قد عمقها وجعلها أشد تعقيدا.

وقد توصلت الدراسة لعدد من الاستنتاجات والتي تعزز من صحة الفرضية لعل من أبرزها:

1- إن تحديد طبيعة التداعيات لا يكفي بل بحاجة إلى عمل دؤوب لمجابهة هذه الجائحة أو الحد من أضرارها، وهذه المجابهة يجب أن تكون رسمية من قبل السلطة، وشعبية من قبل المواطنين، فضلا عن الحاجة إلى الدعم الإقليمي والدولي للعراق، ويجب أن لا تكتفي السلطة بالحظر الصحي المنزلي بالرغم من أهميته، بل لابد من توفير طرق أخرى لغرض تخفيف الضغط على المواطن البسيط ممن يعتمد على القوت والعمل اليومي.

2- على الدولة العراقية أن تضع خطة آنية وأخرى مستقبلية، فالخطط الآنية تتعلق بطبيعة الأزمة وما تتطلبه من حلول مستعجلة، أما الخطط المستقبلية تتمثل بضرورة تطوير حقول الغاز في العراق لكي يكون مورد آخر وهو مهم، فضلا عن حقول الكبريت، وعدم التركيز على النفط كمورد وحيد.

3- على الحكومة القادمة أيضا دعم الزراعة بشكل حقيقي وواقعي ويجب أن تحقق الاكتفاء الذاتي في موضوع الزراعة كمرحلة أولى ثم العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من بعض المنتوجات الصناعية والتي كانت متوفرة في العراق في وقت سابق وتم تعطيلها بسبب ظروف الحصار وبسبب الحروب التي قادها النظام الاستبدادي، مما جعل الاقتصاد الصناعي يتراجع في وقت تقدمت صناعات أخرى مثل الصناعة السورية والتركية والإيرانية وغيرها.

4- بعض أفراد المجتمع العراقي مع الأسف يفتقر للوعي الصحي، وهو ليس له المام ودراية بخطورة مثل هكذا أمراض انتقالية، مما جعل موضوع تعزيز مثل هكذا وعي أمر ضروري، لكي يساعد المجتمع والسلطة في احتواء أضرار هذا الفيروس المستحدث.

5- توجد هناك فكرة قد تكون مستغربة، لكن لابد منها إذا ما استمر هذا الفيروس بالانتشار والحكومة مضطرة أن تبقى الحظر الجزئي وليس الكلي للتخفيف على كاهل المواطن من جهة وعمل مؤسسات الدولة من جهة أخرى، هنا نقترح عمل فحص طبي لكل مواطن يرغب التجوال وهو مضطر للتجوال، حيث بعد الفحص يعطى المواطن المفحوص هوية تعريفية تؤكد أن حاملها أجرى الفحص وهو خالي منه، ويسمح له بالتنقل لكن بشروط صارمة من أهمها ارتداء وسائل السلامة (كمامات وكفوف)، وهذه الطريقة تمكن من يريد أن يتنقل ويعمل وتمكن من يريد أن يذهب لشراء الدواء ويستطيع صاحب المحل أن يعمل، وجعل حامل هذه الهوية هو المستثنى بغض النظر عن طبيعة عمله.

6- إن بقاء الوضع السياسي بهذا الشكل، وعدم تشكيل حكومة تلبي احتياجات الناس لاسيما موضوع تأمين الرواتب، وفي ظل وجود مظاهرات شعبية مطالبة بإصلاحات حقيقية، سوف يجعل العراق أمام تحديات خطيرة، فلا يمكن الرهان على صبر الشعب، لأن الانتظار والوقت ليس بصالح الحكومة بل لابد من استثمار الوقت المتاح.

تواصل مع فريق المدونة

للنشر

6 + 6 =