فيروس كورونا: لماذا يتهاون البعض في مصر بالإجراءات الاحترازية لمواجهة كوفيد-19؟

يتساءل كثيرون لماذا يتهاون بعض المواطنين في مصر في التعامل مع فيروس كورونا، رغم مناشدات وزارة الصحة المتكررة للالتزام بالإجراءات الوقائية للحماية من العدوى.

وقد يُعزى ذلك من وجهة نظر البعض إلى تراجع أعداد الإصابات بالفيروس في الأسابيع الماضية، أو إلى إعادة فتح بعض المنشآت والخدمات العامة قبل انتهاء الإصابات تماما، أو إلى عوامل نفسية واجتماعية أخرى بسبب طول فترة الإغلاق العام أو الجزئي.

وقد سُجل ارتفاع ملحوظ في أعداد الإصابات والوفيات بمرض كوفيد-19 في اليومين الماضيين، بعد أن شهدت الأسابيع الأخيرة تراجعا في تلك الأعداد.

يقول أبو بكر هاشم، موظف مصري، لبي بي سي: “أتعجب عندما أشعر وكأني الوحيد الذي لا يزال يلتزم بالإجراءات الوقائية ضد فيروس كورونا في الأماكن العامة”.

ويضيف: “أدخل كل يوم إلى السيارة الأجرة مرتديا الكمامة للوقاية من فيروس كورونا، لكني أندهش عندما أرى الركاب لا يرتدون الكمامات، بمن فيهم السائق. لم يشغلني ذلك كثيرا، لكني أشعر وكأن الوباء قد اختفى تماما في مصر”.

كان معدل انتشار فيروس كورونا قد سجل انخفاضا تدريجيا ملحوظا في مصر خلال الأسابيع الماضية، حتى وصل عدد حالات الإصابة اليومية منذ أيام إلى مستويات أقل من مئة حالة، بعد أن كان يصل لأكثر من ألف حالة في كثير من الأيام. وربما يكون ذلك هو ما دفع البعض للتخلي عن الإجراءات الاحترازية المفترض اتباعها للوقاية من الفيروس.

وتقول يسرا سمير، ربة منزل، لبي بي سي: “بالطبع هناك تهاون، ليس فقط من قبل المواطنين وفي الأماكن العامة المفتوحة فقط، فهناك مؤسسات حكومية لا يرتدي فيها الموظفون أنفسهم كمامات ولا يطبقون أية إجراءات احترازية”.

وتضيف: “أقمت في الفترة الأخيرة في الساحل الشمالي، وهناك اكتشفت غيابا كاملا لكل الإجراءات الاحترازية ضد فيروس كورونا لدرجة أنني شعرت بأنه لا يوجد خطر ولا فيروس ولا وباء”.

 

“رسائل متناقضة”

يقول محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، لبي بي سي: “هناك فئة من الناس، ليست صغيرة، لديها حالة من الإنكار، إنكار وجود الخطر. وهؤلاء يستندون إلى أن حالات كثيرة كانت بين من يتبعون الإجراءات الاحترازية، ومنهم من وافته المنية، بينما لا يصاب كثيرون ممن لا يلتزمون بها، وهؤلاء يشكلون خطرا كبيرا ويسهمون إلى حدٍ كبير في نقل العدوى”.

ويضيف المهدي: “كانت هناك إشارات رسمية إلى أن الخطر قد تراجع، خاصة بعد السماح بصلاة الجمعة، وفتح الأسواق التجارية والنوادي، وتراجع أرقام الحالات الجديدة والوفيات. كل ذلك أوصل إلى الناس رسالة تشير إلى أن الخطر قد تراجع”.

لكن المهدي أشار إلى أن هناك رسالة أخرى يتلقاها الناس من أرض الواقع تشير إلى أن الخطر لا يزال قائما وأن هناك حالات إصابة ووفيات يستمر ظهورها، لذلك يتلقى الجمهور الرسالتين ويفضل تصديق الرسالة الأولى التي تشير إلى أن “الخطر قد زال”.

وتقول المواطنة نيفين شرف: “الحياة عادت إلى طبيعتها بشكل كامل، وكانت فترة الالتزام بالإجراءات الوقائية ربما أسبوعين أو ثلاثة فقط. أرى أن الإجراءات قد اختفت تماما في كثير من المقاهي والمطاعم والنوادي الرياضية”.

وأضافت: “خلال تلك الفترة القصيرة كانت الإجراءات الاحترازية تُطبق في الأماكن العامة، فكانت المطاعم والمقاهي تعمل بحوالي 25 أو 50 في المئة من قدرتها، وكانت النوادي تُقسم الفرق الرياضية إلى نصفين يتدرب أحدهما بعد الآخر، وكان مسؤولو الأمن في المراكز التجارية يخلون أي طاولات يجلس عليها أربعة أفراد، لكن أرى أن كل ذلك اختفى كما لو كان الفيروس قد اختفى أيضا”.

“من كوكب آخر”

يقول عبد الرحمن زكي، موظف في هيئة حكومية، لبي بي سي: “أقيم في القاهرة، وينتابني إحساس بأنه لا توجد عدوى كورونا عندما أكون في الأماكن العامة لما أرى من تصرفات الناس المحيطة بي. ولا يقتصر الأمر على القاهرة، فقد سافرت مع زوجتي في الفترة الأخيرة إلى عدة مدن مثل الإسكندرية، وبورسعيد، والساحل الشمالي، والسويس، ولمست هناك أيضا غيابا كاملا للإجراءات الاحترازية”.

ويضيف زكي: “نرتدي الكمامات أنا وزوجتي في الأماكن العامة، وكنا نرتديها خلال هذه الجولات الترفيهية في المحافظات، وكان الناس ينظرون إلينا باستغراب، وبطريقة تجعلني أشعر أنني من كوكب آخر”.

وتابع: “لا توجد إجراءات احترازية، والسلام والتحية بالأحضان، ولا يوجد تباعد على الإطلاق. وفي الفندق الذي أقمت به في الساحل الشمالي، كانت طواقم العمل فقط هي التي ترتدي الكمامات، لكن النزلاء لم يرتدوها”.

ويحذر المهدي من أن الناس في الفترة المقبلة سوف “يتمسكون بحقهم في الحياة الطبيعية، وسوف يغلقون آذانهم أمام أية تحذيرات جديدة، وهو ما يشكل خطرا لغياب الاستعداد لديهم للالتزام بالتعليمات والأوامر. وقد تنتشر حالة من اللامبالاة وعدم الاكتراث بالخطر في الفترة الحالية، مما يؤدي إلى انتشار أوسع نطاقا للعدوى”.

لكن كمال أبو سعدة، استشاري الصحة النفسية، يرى أن هناك “غيابا للإحساس بالمسؤولية بين فئات كثيرة في المجتمع المصري”.

ويقول أبو سعدة لبي بي سي: “الشخص غير المسؤول أو المستهتر لا يقبل فكرة الالتزام بأية تعليمات أو أوامر مهما بلغت أهمية ذلك”.

ويضيف أبو سعدة: “قلة الوعي والفقر قد تؤدي إلى عدم الالتزام بالإجراءات الوقائية، فبالنسبة لهؤلاء الذين ينزلون إلى الشارع لكسب الرزق، لا يستطيع أحد أو تعليمات أن تمنعهم من ذلك”.

قلق رسمي

وقد ناشد مجلس الوزراء المواطنين منذ أيام قلائل “ضرورة الالتزام باتباع الإجراءات الوقائية لمجابهة فيروس كورونا المستجد”، مؤكدًا عدم صحة ما تردد عن توقف الحكومة عن فرض تطبيق الإجراءات الاحترازية”.

وقال المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، في تقرير توضيح الحقائق والرد على الشائعات الصادر في 14 أغسطس/آب الجاري، إن ما تردد عن إلغاء العمل “بالإجراءات الاحترازية” على بعض المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي “عار تمامًا عن الصحة”.

وأشار إلى أن الحكومة ستبحث أية إجراءات ضرورية لمواجهة انتشار الفيروس، وإجراءات “التعايش” معه، مؤكدًا على “التزام كافة الجهات المعنية بتنفيذ القرارات الصادرة عن اللجنة، مع تطبيق الغرامات المالية على المخالفين”.

وحمّلت هالة زايد، وزيرة الصحة المصرية، المواطنين مسؤولية أي تصاعد جديد في معدل انتشار العدوى، قائلة إن “حدوث موجة ثانية يرتبط بالضرورة بشعور زائف بالأمان لدى الناس بأن الوباء قد انتهى، وبالتالي يدفعهم إلى التراخي في الالتزام بالإجراءات الاحترازية والالتزام بارتداء الكمامات وتحقيق التباعد الاجتماعي”.

ويشعر البعض بقلق من ارتفاع المعدل اليومي للإصابات مجددا، وسط انتقادات لسياسة إعادة فتح مزيد من المنشآت وأماكن الترفية والحدائق في ظل تحذيرات من قدوم موجة ثانية للفيروس.

وقد بلغ عدد الحالات الجديدة المسجلة رسميا في مصر يوم الخميس، 28 أغسطس/آب، 237 حالة إصابة، و25 حالة وفاة، مما يشير إلى ارتفاع كبير في المعدلات مقارنة بالأسابيع القليلة الماضية.

تواصل مع فريق المدونة

للنشر

15 + 8 =